يوسف الخطيب، صورة الكهنوت

لا بد لمن يقرأ الكتَاب المقدس فيما يختص بولادة المسيح إلا أن ينبهر لدور يوسف الخطيب. ذلك الصامت الناطق، الحاضر الغائب، ذلك المطيع المؤمن الذي لولاه لما اكتمل السر، سر التجسد.

إن جواب مريم للملاك " نعم " كان بداية بذور الخلاص، كان بداية عمل الروح القدس الذي حلّ عمودياً، من فوق إلى أسفل، من السماء إلى ألأرض، أي بين الله والبشر.كما أن" نعم "يوسف الخطيب للملاك أي ثقته بكلامه واحتضانه لمريم وحمايتها من المجتمع والشريعة كان امتداد لعمل الروح القدس بشكل أفقي، بين البشر والبشر.
بين نعم مريم "ونعم" يوسف ارتسم الصليب وزرعت ثمرة الخلاص - الكلمة المتجسد- في أحشاء مريم صورة الكنيسة وحماية وطيبة وأمانة وحكمة يوسف صورة الكهنوت.

في كل ذبيحة إلهية "يتجسد" الكلمة في حشا الكنيسة ويقدَّم للعالم على يدي الكهنوت وبحمايته. المجد دائماً للإبن الكلمة المتجسد وللكنيسة عروسه، أما الكاهن فهو صورة يوسف المنسي. الكاهن يختفي كما اختفى يوسف من المشهد بعد حماية الطفل من هيرودس العالم ثم الاهتمام به والسهر على بلوغة. يوسف لم يشهد عظمة البشارة ولا ألم الصليب ولا مجد القيامة. لم يكن هناك، كان قد انتقل. لكنه في القيامة شهد تكسير الأبواب الدهرية الضابطة وبعد ذلك شهد مجد الصعود الإلهي صارخاً : هذا هو ألذي إتُمنت عليه وأنا في العالم. إني متأكد أن أول وجه نظر إليه يسوع القائم من الموت بعد اقتحامه الجحيم مباشرة بعد وجه آدم كان وجه يوسف الخطيب ليقول : شكرًا لنَعَمِك ، إنعم الآن بنِعَمي.

يوسف في حياته، عانى بينه وبين نفسه ليفهم التدبير الإلهي لأنه لم يفهمه كما فهمه الرسل بعدالقيامة والعنصرة أي بعد حلول الروح القدس. كل تدبير إلهي صعب إدراكه بدون الروح القدس. كما أنه عانى في حماية الطفل وأمه وعانى في رهبة تربيته عالماً إنه ابن الله المتجسد وأن خطيبته هي والدة الإله الأرفع مجداً بغير قياس من الملائكة. أتخيّله وهو ذلك الشيخ العجوز يرهب من لمس الطفل ومن احتضانه وإطعامه ومن التكلم معه ومن تعليمه مهنة النجارة. هل تتخيل نفسك تهتم بالرب يسوع نفسه منذ الولادة إلى سن قريب من المراهقة ؟ هذا هو شعور الكاهن في ممارسته للكهنوت، في كل قداس وعظة وزيارة ومعمودية وإكليل ودفن. هو صورة يوسف المؤتمَن على هذه الوديعة والتي سيعطي عنها حساباً يوم الدين. يوسف لم يتمتع بمجد على الأرض، كذا الكاهن، مجده محفوظ للحياة القادمة. هو في هذا العالم ليعيش رهبة الخدمة المباركة، رهبة خدمة الرب المتجسد دائماً والمصلوب دائماً. لا تعزية أخرى له، يُضطهد من أبناء جنسه، يُشتم، يعيّر، يُرفض ويُنتقد من الجميع لكنه قوي بالسر غير المعلن للآخرين كونه حافظ لهذا السر، يخدمه حتى الموت غير منتظر لمجد من الناس لأن السيد قال له :" تكفيك نعمتي. " عندما يترجى الكهنوت مجد الناس يخسر إكليل المجد المعدّ من الله لخدامه الأمناء.


ألأب ثيوذورس داود

Comments

Popular Posts