الحمار والثعلب والأسد

الحمار والثعلب والأسد
March-26-2015
أخبرتني أمرأة حكيمة هذه القصة وربما معظمكم سمعها.
يحكى أن الأسد مرض ومرضه كان نفسياً أدخله في كآبة، فأشار عليه مستشاره الثعلب بأن يأكل دماغ حمار شرط أن يكون طازجاً. قال الأسد : لست بمزاج جيد للصيد وكما ترى أنا مريض، هلا أوجدت دماغ حمار طازج؟ أنت مستشاري وأثق بدهائك ، هلا أوجدت لي دماغاً طازجاً لحمار دسم؟
قال الثعلب: أعرف حماراً ابن حمار، سأقنعه بالمجيء إليك وانت يا سمو الملك تتكفل بالباقي.
ذهب الثعلب إلى الحمار ابن الحمار - عظّم الله شأنكم- وقال له: يا سيدي الحمار، يا بطلاً ويا فارساً ويا رمز الكرم والمروءة والصبر والحكمة والشجاعة لقد أفتقدك الله بما يليق بفضائلك . عندما سمع الحمار كل هذا التبجيل لم يتمالك نفسه عن النهيق عالياً وانتفخ وسكر وقال للثعلب، طالما شعرت بنفسي سيداً ولكن لم أُعطى فرصة إثبات فضائلي، ماذا لديك يا حضرة المستشار؟ قال الثعلب:الملك مريض كما تعلم وينتظر الموت ويريد أن يقيمك ملكاً من بعده. هلم معي إلى عرينه. فانتفض الحمار ابن الحمار راكضاً قبل الثعلب ودخل على الأسد الذي لما رآه لم يتمالك نفسه وعاجله بعضّة قوية على قفاه لكن الحمار قفز من الخوف والصدمة وهرب بعيداً بدون ذيله الذي قضمه الأسد. لما وصل الثعلب قال للملك: فليسامحك الله سيدي الملك أما كنت تستطيع الإنتظار قليلاً حتى يطمئن قلبه ويستوعب فكرة التنصيب. قال الأسد لم أستطع، أحضره مججداً، أريد دماغه.
ذهب الثعلب الذكي في إثر الحمار وقال له: لماذا فعلت ذلك ؟ كدت تفسد كل شيء.
فقال الحمار: أفسد كل شيء؟ لقد وثب علي وقطع ذيلي.
قال الثعلب: حقاً أنك حمار. لماذا لم تثق بكلامي؟ لقد أراد جلالته أن يساعدك لتتألق في الجلوس على العرش. كيف تسجد ولك ذيل؟كيف ستضع رجلاً على رجلٍ ؟ ذلك يجعلك تفقد هيبتك. هل رأيت كيف ظلمت الملك ؟ قم ارجع معي حالاً واطلب السماح.
فقام الحمار ناسياً ألم ذيله والنزيف وهو يحضّر في ذهنه قصيدة من الشعر يشكر فيها الأسد المحب والغيور على راحة قفاه يوم يجلس للحكم.
ما إن وصل الحمار إلى باب الأسد وقبل أن يبدأ قصيدته الحميرية وثب عليه الأسد كالمجنون وأطبق بأسنانه على رأسه فما كان من ألحمار المحظوظ إلا أن سحب رأسه بصعوبة وفر هارباً لكن بدون أذنين ، يلعن الأسد والثعلب والعرش. لما رأى الثعلب كل ما جرى قال للملك: سيدي لماذا لم تنتظر حتى يطمئن قلب الحمار ويستوعب المجد المنتظر فهذا صعب على مستوى فهمه؟ أجاب الأسد بغيظ : لا يهمني، أحضره أحضره، أريد دماغه.
ذهب الثعلب الداهية وراء الحمار للمرة الثانية وهو يخطط كيف يقنعه بعد الذي حصل فوجد الحمار جالساً تحت نخلة يغني :
سكابا يا دموع العين سكابا على الدِينين (أذنين) إبكوا يا شباب
أكلي الذنب وعا شوي أكلني ومن بعد الأكل، كان صار دمي شرابا
وصل الثعلب يلومه ويعنّفه قائلا" : بالحقيقة أنك حمار إبن حمار. لماذا فعلت ذلك؟ أما قلت لك أن الملك يريد أن يهيّأك لسدّة الملك؟ كيف تريده أن يضع تاجاً على رأسك وأنت تحمل أذنتين طويلتين على رأسك ؟ إلى متى ستبقى عديم الثقة في ملكنا المحبوب الذي يغار على هيبتك وطلّتك كخليفة له؟
هنا شعر الحمار بحرقة في صدره ظنّها سكتة قلبية من شدة الضيق والندم وقال للثعلب: ماذا يجب أن أفعل الآن؟ أتظن أنه سيسامحني إن عدت إليه واعتذرت؟
قال الثعلب: أنا سأقنعه ، إلحق بي ولا تهرب هذه المرة ولا تشك.
لحق الحمار "الحمار" بالثعلب وهو حزين يتذكر كيف لم يثق مرّة بسيده الملك، وعندما وصلوا دخل الحمار مستغفراً معتذراً وجلس تحت قدمي الملك يتلو قصيدته الحميرية فما كان من الأسد إلا أن انقض الأسد عليه وقتله ثم قال للثعلب: أسلخه ونظّفه وأحضر دماغه لي ، أنا ذاهب لأرتاح قليلا ً. فيما كان الثعلب الذكي ينظف الحمار لم يتمالك التجربة فأكل دماغه وبعد أن انتهى أحضر بعضاً من لحمه إلى الأسد، فلما رآه الأسد سأله: أين دماغ الحمار؟ أجاب الثعلب : سيدي لم أجد فيه دماغاً ، ليس عنده دماغ. أجاب الأسد بغضب: ماذا تقصد ليس عنده دماغ ؟
أجاب الثعلب: أتظن لو كان عنده دماغ لكان عاد إليك مرتين بعد كل ما فعلت به؟؟
ختمت السيدة العجوز الطيبة قصتها وهي تضحك وتضحك وتضحك ثم قالت لي:
أمانة يا بني أن تخبّر هذه القصة لأولادك فأنا قد أخبرني إياها والدي في العام ١٩٤٨ وهو سمعها من والده في العام ١٩١٧.
ثيوذورس

Comments

Popular Posts