أنا عصفور


أنا عصفور
March-4-2015

سمعت قصة طريفة حدثت في إحدى بلدان أمريكا الجنوبية يوم حصل انقلاب واستلم العسكرُ مقاليدَ الحكم بعد فساد الطبقة الحاكمة، وانقسم الشعب بين مؤيّد للفساد السابق وبين محبّذ للفساد الآتي. وفي يوم من الأيام كان مزارع بسيط يسير على الطريق ذاهباً إلى مزرعته فتوقفت إلى جانبه سيارة فيها أربعة رجال سألوه: هل أنت مع النظام أو مع المعارضة ؟ حدّق الفلاح في لحاهم وقبعاتهم فظنهم من الثوار فأجاب بحزمٍ : أنا مع المعارضة. فترجّل الرجال وأبرحوه ضرباً وتركوه على قارعة الطريق
بعد ثلاثة أشهر تعافى الرجل وقصد مزرعته مججداً ولكنه في هذه المرّة مشى بعيداً عن الطريق وفجأة توقفت سيارة بداخلها ثلاثة رجال، وبعد أن طلبوا منه الاقتراب سأله السائق: هل أنت مع النظام أم مع المعارضة؟ هنا صار الرجل يرتجف وتذكر ما حصل معه في المرة السابقة وظنّ أن النظام يختبره مجدداً فأجاب بثقة من تعلم الدرس: أنا مع النظام، فترجّل من كان في السيارة وهم من الثوار وأبرحوه ضرباً وتركوه بين حيٍّ وميت وبالكاد وصل إلى منزله بمساعدة فاعل خيرٍ وجده حيث تركه الثوار.
بعد ستة أشهر تعافى الرجل وصار يستطيع العمل مجدداً واشتاق إلى أرضه فذهب باكرا وتصرف بحكمة فتحاشى أن يسير قريباً من الطرق فمشى بين الأشجار في الغابة، ومن بعيدٍ لمح حارس الغابة فخاف وصار يركض عائداً إلى بيته متذكراً ما حصل في المرتين السابقتين فعندما رآه حارس الغابة يركض إشتبه بأمره فبدأ بالركض وراءه. هنا تأكدت مخاوف الفلاح الفقير حين رأى الحارس راكضاً وراءه وفي نفس الوقت تأكدت الشبهة في رأس الحارس، الفلاح يركض والحارس يركض إلى أن تعب الفلاح فتسلق شجرةً عالية وجلس على غصن كبير وغطى عينيه، وعندما وصل الحارس ناداه أن ينزل، لم يجب بكلمة فأكمل الحارس: إنزل إنزل ، لم يفتح الفلاح فمه ولم ينظر إلى أسفل وبقي متسمراً دون حراك ويداه تغطيان وجهه. سأله الحارس : هل أنت مع المعارضة أم مع النظام فأجاب الفلاح : أنا لست لا مع النظام ولا مع المعارضة، أنا عصفور.
وأنا المسيحي المشرقي عصفور أيضاً يا سادة.
أنظمة الدول الفاسدة جلدتني وثوّار الظلمة الأكثر فساداً ذبحوني؛ من في الشرق عيروني بالصليبي ومن في الغرب ألبسني همجية ثوار القرون الوسطى الآتين من جهنم قبل الأوان. جريمتي أن الأرض أرضي وأحبها، الأرض أرضي وأرض آبائي وأرض أجدادي الذين دفنوا في ترابها فعُجنوا فيها كالخمير لتبقى أرض حياة وبدوني ستعود صحراء قاحلة وأسواق نخاسة وجاهلية.
أنا لست صليبياً يا جاهل، والصليبي ليس مسيحياً يا أمّي. أنا من علّم أهلك القراءة وترجم لك الكتب وفتح لك المدارس وألبسك يوم كنت عرياناً وطبّبك يوم كن مريضاً وحارب معك ضد الصليبي وضد الغرب محاولاً أن يعجنك في نفس عجينة التاريخ والحضارة والفن والسلام ولكن أسنانك ليست معتادة على أكل قمح الحق بل على شعير الباطل.
أنا عصفور نعم، ولكن من نوع آخر، من نوع الفينيق. جيناتي لا تموت، أقتل ما شئت واحرق ما شئت فأنا سأقوم وأحرث أرضي وآكل قمحها وعندما تتعب من حروبك تعال إليَّ مجدداً فأنا من جديد سأطعمك وأطّببك وأعّلمك وأيضاً سأسامحك وأحبك فهكذا علّمني إلهي.
ألأب ثيوذورس داود

Comments

Popular Posts