ألماضي المُميت.

كل ما يأتي من الماضي ليبقيك في الماضي هو سبب لهلاكك.

ألإنسان هو مشروع ارتقاء دائم إلى أن يحقق قدَره المُعَد وهو التأله وكل شيء أقل من ذلك هو إفساد لتدبير الله الخلاصي. ألله الذي أحبّنا وبذل نفسه من أجلنا "لتكون لنا الحياة وتكون لنا أفضل." لكن أيّة حياة ؟ هذه الحياة ؟ لا أظن أن غير الفاسد مات من أجل أن يسهّل لنا حياةً في هذه الحياة الفاسدة.
بعد أن فشل الجميع "صار الله إنساناً ليجعل الإنسان إلهاً " وأي فكر غير ذلك هو زُج للإنسان في فراغ الحاضر الذي غداً سيُصبِح ماضياً وهكذا يقود الإنسان نفسه إلى ظلمة ماضٍ لا خروج منه إلا بالتمني وبتعزية لا تتخطى الذكريات.
إن أي دين يسجنك في الماضي يأخذك إلى الهلاك.
إن أي فكر يقيّدك في الماضي يأخذك إلى سجن أبدي لا باب له وهناك ستموت كل يوم.
إن أي حياة تبني لك ماضياً وليس أبديةً هي قبرٌ مظلمٌ، وبعد انحلال الجسد ستبقى فيه إلى الأبد.
إن أي إنسان في حياتك، نبيٌ، أسقف، كاهنٌ، زوج، زوجة، إبن أو إبنة، أخ أو أخت، صديق، حبيب، زعيم....... لا يتركك تكبر وتنطلق هو أداة لتقييدك في حياة مستقبلها ماضٍ وذكريات وموت.
أما من عرف المسيح فقد كسّر كل قيد وحطَّم كل باب وتحرر لأن المسيح كسّر كل قيد وهوىً وحطَّم كل الأبواب حتى أبواب الجحيم -التي لا تُقهر - وأقام معه من تمسّك بهدب ثوبه إلى أبدية ليس لها ماضً لأن الحب الإلهي يحررك من هوى المكان والزمان؛ لذلك قبره فارغ - القبر الوحيد الفارغ - لأنه الوحيد الذي لم يضبطه قبر. ما معنى ذلك؟ أي إنه لم يسمح للعالم أن يبتلعه ويجعله ماضٍ وذكرى لأنه الحياة والحياة لا يضبطها موت ولا تسمح لشيء أن يجعلها ماضٍ لأنها لا تمضي، بل منطلقة دائماً إلى قدَرٍ إلهي ومجد لا يعرف العالم طعمه، لأنه مجد آتٍ من فوق ليقود إلى فوق.

يصدمني كل إنسان تديّن لعقيدة أو دين من الماضي أو تغنى بعظمة حضارة من الماضي أو بإرث آباء وأجداد. كل حضارة اندثرت، كل مملكة سقطت، كل مجدٍ زال والكل ماتوا، ماتوا وصاروا من الماضي وسكنوا القبور؛ ثمة قبر واحد فارغ ، قبر من لا يموت، وهل ثمة آخر لا يموت؟ إنه رب الحياة.

نحن نتذكر من الماضي فقط خيره لنتشجع في النمو نحو خير أكبر ونتذكر مجده - إن كان ثمة مجدٍ فيه - ليقودنا إلى المجد غير الزائل في حضن من سكن على يمين المجد. إن الحياة هي نهر ماءٍ يتدفق من الأزلية إلى الأبدية ونحن حبّات مائه والمسيح أوكسجينه المحيي؛ قوة دفق هذا النهر هي المحبة والمحبة فقط. كل مياه لا تجري تصير آسنه، ملأى بالجراثيم الروحية والنفسية والعقائدية، كل من سقط فيها يموت ويصير من الماضي.

نبيِّي كان عظيماً، مؤسس أمتي كان جباراً، جدي كان بَيْكاً، أبي كان وكان وكلهم كانوا وكانوا ولن يكونوا أكثر من ذكرى تدغدغ حاضراً فارغاً بلا طموح وبلا مستقبل. كلهم من الماضي وقد ذهبوا.

تعلّق يا صديقي بمن سيأتي وليس بمن ذهَبَ لأنه الوحيد المحيي والضابط إيقاع الحياة الحاضرة والآتية، إنه الوحيد الذي لم يضبطه لا زمان ولا قبرٌ والذي له المجد إلى الأبد آمين.


ألأب ثاوذورس داود

Comments

Popular Posts