نحن والناس والمصلوب

كما أن المسيح هو هو أمس واليوم وغداً كذلك الإنسان هو هو أمس واليوم وغداً. لم يتغير شيء ولن يتغير شيء حتى يعود الصالح وحده ليجعل الأرض أرضاً جديدة والإنسان إنساناً جديداً. حتى ذلك الوقت قدر الناس أن يتحملوا نتائج السقوط ويبقوا مصلوبين وصالبين.
تجسد الرب كان صليباً بحد ذاته حتى قبل صلبه ولولا محبته الغير محدودة لما استطاع أن يتحمله، إنه الصليب المعنوي. هل تخيلت معي كيف احتمل المسيح البشر مدة ثلاثة وثلاثين سنة؟ بين الكاذب والمخادع والشرير والبسيط والمعقد والجبان والفريسي والخائن والسارق، سارق المادة وسارق الأرواح؟
إله كامل خالط بشراً ساقطين لمدة ثلاثة وثلاثين سنة. كيف احتمل ذلك ولماذا؟ كيف احتملت ذلك يا رب ولماذا؟ فيأتيك صوت من الصمت الأبدي : احتملته من أجلك أنت، ليس فقط من أجل خلاصك بل من أجل خلاص الآخرين على يدك، أولئك الذين ستعايشهم بعد صلبي وموتي وقيامتي وصعودي. ستعايش البشر الذين جميعهم ساقط وكاذب ومخادع وشرير وبسيط ومعقد وجبان وفريسي وخائن وسارق، هكذا ستتذكر محبتي وآلامي الدائمة وصليبي الدائم وإن أحببتني ستصلب ذاتك معي طوعاً أيضاً من أجل حياة العالم وأنا سأمجدك هبةً، سأجعلك مسيحاً آخر وأتركك يا بنيّ امتداد وجودي في ظلمة هذا العالم.
آه يا رب ما أجمل صليبك وما أكثر آلامه. عندما بسطت يديك طوعاً جذبتنا إليك إلى حياة مسمّرة مؤلمة ومن سمرك هو نفسه من يسمّرنا، بشر مثلنا يدّعي معرفتك ويدَّعي بنوتك.
في الحقيقة ليس لنا تعزية أخرى إلا أنت. ننظر في عيون الناس فنرى الدجل والكذب وغيم الخيانة الذي يمطر ألماً فنتذكرك يا رب ونُعمي عيوننا بالمحبة بغية تغيير الآخر ومنحه رجاء الشرف ولكن الفضة لن تنفك تلمع وترنّ إلى أن يبوّق البوق فيذهب أهل فضة الخيانة إلى حبيبهم وملهمهم ذاك الذي خانك يا معلم.
يا رب، تعلمت من ايقونة الصليب القوة والشفقة. القوة في الصبر والشفقة على الناس، على أذكياء هذا العالم وسلاطينه. جمالك أيها المصلوب علمني أن ذكاءهم غباء وسلطانهم هباء وأنهم مهما تلونوا وتزينوا وتسلطنوا سيظلون قبحاء يستأهلون الشفقة. جمالك يا رب علمني أن لا قيمة لبشر إن لم تُسكب عليهم من فوق، من لَّدُنك، لترفع الجميع إلى فوق حيث يصير الكل جميلاً مثلك على صورتك.


ألأب ثاوذورس داود

Comments

Popular Posts